ما الذي ميز مسيرة الإتجاه الإسلامي خلال مرحلة 4 سنوات (85-88)
وهي الفترة التي عقد فيها الإتحاد العام التونسي للطلبة ثلاث مؤتمرات وطنية..وعرفت فيها البلاد أكبر محاكمة سياسية في تاريخها المعاصر..
لقد عاشت الجامعة استقطابا منذ سنة 1980بين تيارين فكريين وسياسيين.هما الإتجاه الإسلامي من ناحية واليسار الطلابي من ناحية أخرى..
وفي الحقيقة نحن الذين أطلقنا على التيارات الماركسية صفة اليسار..ونحن الذين عممنا إستعمالها..فاليسار أطراف ومجموعات غير متجانسة وأحيانا تطفو صراعاتها الداخلية (يسار/يسار) إلى السطح وتطغى على كل قضاياها ..فعلاقات الأطراف الماركسية مع بعضها البعض كانت دائما علاقات الصراع والإختلاف.
١-أطلقنا عليهم إسم اليسار تعميما رغم انهم غير موحدين لأنهم يتوحدون في عدائنا ولأن الصراع مع الإتجاه الإسلامي كان دائما قاعدة إلتقائهم..أجل لقد شكل الخلاف حول كيفية التعامل مع الإتجاه الإسلامي أحد الأسباب الرئيسية في تمزق اليسار ولكنه هو أيضا العامل الأساسي في توحده.
٢-أطلقنا عليهم صفة اليسار لأن لدينا القناعة بأن بعضهم يعتبر البعض تحريفيا وحتى انتهازيا وفوضويا ويسراويا وكل طرف منهم يضع قائمة بالأوصاف يطلق على كل مجموعة يخالفها صفة منها.
-٣ أطلقنا عليهم أيضا اسم اليسار لأننا يجب أن نجد لهم إسما وما يطلقونه على أنفسهم لا ينطبق عليهم (مناضلون نقابيون-نقابيون ثوريون-وطنيون ديمقراطيون...) فنحن أيضا نعتبر أنفسنا مناضلين نقابيين ونعتبر أنفسنا نقابيين ثوريين ونعتبر أنفسنا وطنيين ديمقراطيين.
-٤ أطلقنا عليهم اسم اليسار لأننا يسكننا هاجس التأسيس ولابد أن نعطي للأشياء أسماء..
فالإسلام سمى نفسه إسلاما وسمى ما سواه جاهلية.. ويقول كانط ومن بعده فوكو بأن عصر الأنوار تميز بأنه أعطى لنفسه إسما في حين أن التسمية أحيانا بل غالبا ما تأتي متأخرة.
-٥ لقد قلنا في تجمعات عامة عن اليساريين : يا أيها الماركسيون لستم بماركسيين..
وفي حمى الصراع وبعد مجزرة منوبة راجت بكثرة في النصوص والبيانات والمقالات الصحفية كلمات مثل: آل ماركس..وهي تسميات كانت وليدة الوضع المتفجر. فقداستخدمت للتحقير واستعملت في إطار السجال.
وفي صائفة ذلك العام أعددنا دراسة داخلية سميناها: آفاق جديدة في التعامل مع التيارات السياسية في الجامعة.
وكانت خلاصتها أنه يمكننا أن نلتقي مع القطب الآخر نقابيا وسياسيا .. وأن الصراع الدموي لن يخدم إلا النظام وقد عدنا في هذه الدراسة إلى كتاب لمنير شفيق "الثورة الفلسطينية بين النقد والتحطيم".
واعتبرنا أن موقف التيارات الماركسية موقف خاطئ وفيه خلط بين ما هو رئيسي وما هو ثانوي وما هو مرحلي وما هو استراتيجي ... وأنهم موضوعيا يقفون إلى جانب السلطة حينما يجعلون من محاربة الحركة الإسلامية وعرقلة كل أعمالها هدفا مركزيا... وخلصنا إلى أن مجاراتهم في تصوراتهم تضحية بمصالح الطلبة التي ما وجدنا إلالخدمتها...
وفي هذا الإطار جاء مشروع الميثاق الطلابي. فجعلنا لنا من فكرنا عقالا ومن مصلحة الطلبة أفقًا لتحركنا، وجعلنا من العمل النقابي والسياسي أرضية للصراع، وأخرنا الحسم الإيديولوجي بل تركناه للأيام.
فنحن على يقين بأن الأيام حبلى بالحلول، وأن السياسة كما تفرق بين الإتجاهات أيضا تجمعهم... ولعلنا دخلنافي عام 1983 الجامعة لا نهدف إلا إلى إنهاء العنف... ولم يكن سهلا آنذاك أن تقول إننا ضد العنف في ساحة يفتخر الناس فيها بالعنف الثوري... بل لم يكن سهلا أن ندعو إلى التعايش في ساحة يسهل فيها استدراجنا إلى التصارع الدموي (موقف الشيخ راشد من العنف في مقاله سنة 1981 في جريدة المستقبل)
لقد خططنا ونجحنا في تحقيق استمرارية الصراع بالطرق الديمقراطية...
فبعد المجزرة تآكل اليسار... واندثرت الهياكل النقابية المؤقتة... اندثرت لأنه لم يقع تجديدها ولأنه بقدر ما توفر للإسلاميين وضوح إلتبست الرؤية أمام التيارات الأخرى... والنخبة التي عقدت المؤتمر 18خارق للعادة للإتحاد العام التونسي للطلبة هي النخبة التي شهدت ترشيد الساحة، وهي التي شهدت الإنجاز الطلابي (لجبهة الوحدة النقابية)، وهي التي أحست بثقل الإرث الذي تركه الرفاق والذي توجوه بمجزرة منوبة... نقول بكل تواضع هي النخبة التي تعلمت من الإسلاميين واستخلصت دروسا من تجاربهم بعد أن غادر الجامعة رموز السبعينات وأواخرها وأوائل الثمانينات... فالعناصر التي أنجزت المؤتمر 18خارق للعادة هي أضعف من حيث تكوينها النظري ولكنها أكثر فاعلية وأكثر براجماتية ... وهي التي أيقنت أن خيار العنف مع الإتجاه الإسلامي هو أسوأ الخيارات وأكثرها إضرارا بها.
فنحن بانعقاد المؤتمر العام نشهد استئثار الإتحاد العام التونسي للطلبة بالتمثيل النقابي ونشهد هيمنة الإتجاه الإسلامي ..الذي مركز خطابه في الجامعة بأسرها، وأصدر جريدة الحدث السياسي، وجرأ قواعده وأنصاره على الواقع، وأخذ زمام المبادرة في الجامعة... هذا في وقت كانت فيه الصحف تتنبأ بعشرية للطلبة الدستوريين بدل عشرية اليسار والإسلاميين.
(هذه الوثيقة على الأرجح كتبت في سنة 1990 كمادة مقال أو مداخلة في ندوة )